عائلة الراجحي
في التاريخ الهجري الخالد تشكلت الجزيرة العربية في قالبها السكاني من جديد فقد بدأت الهجرات القبلية من وإلى كل الاتجاهات لتغمر بتدفقها الوطن العربي والإسلامي الكبير. الأسباب مختلفة وراء هذه الهجرات العربية ولكن ما نتحدث هو ذلك التاريخ الأصيل لبعض هذه الهجرات وأحداثها .
في قلب الجزيرة العربية نرصد قصة بيت من بيوتات القويعية ذات النسب العربي القحطاني فمن هذا البيت تتحدث الأيام لتحدثنا عن أسرة لها سجل حافل وتاريخ وماضي عريق وحاضر تحاكي فيه قيم الأصالة والمنجزات الكبيرة .
استوطنت قبيلة بني زيد القضاعية القحطانية قرية القويعية مهاجرة إليها من جنوب الجزيرة العربية مهد العروبة والنسب وقد امتدت جذور قبيلة بني زيد في شقراء والدوادمي أيضاً وكانت قرية القويعية يتشكل غالبية أهلها من قبيلة بني زيد .
ومن افخاذ قبيلة بني زيد = الحراقيص ومن بيوتاتهم آل جبرين المتفرعين إلى ثلاث أسر كبيرة هي:
- آل فنتوخ أبناء ناصر بن حمد بن جبرين بن سليمان بن جبر ين وناصر هو الملقب بفنتوخ
- والهويمل أبناء عبدالله بن حمد بن سليمان بن جبرين الملقب بالهويمل .
- 3. أما الأسرة الثالثة محط رحلتنا التاريخية فهو ناصر بن راجح بن حمد بن سليمان بن جبرين (الذي يعتبر مؤسس أسرته أسرة الراجحي)وعرفت أسرة الراجحي بهذا الاسم نسبة إلى راجح بن حمد .
في القرن الثاني عشر للهجرة انتقل ناصر بن راجح بن حمد من مقامه في القويعية واستقر في البكيرية بعد محطات عديدة عرج فيها على عنيزة ثم الخبرة ثم الهلالية وكانت البكيرية إحدى مدن القصيم الناشئة وأصبحت فيما بعد تشمخ بتاريخها العريق أبراج وأسوار ومزارع خضراء تضم في أحضانها بيوت الطين المزخرفة بنقوش عربية أصيلة هنا في البيكرية طاب المقام لناصر الراجي تزوج من ثلاث نسوة أولهن من الهلالية من أسرة الحميدان وله منها : حمد وعمر الزوجة الثانية من أسرة العريني وله منها: عبدالله وسليمان وأربع بنات، الزوجة الثالثة من أسرة الرديني من عيون الجوى وله منها محمد ومطلق وعلي وصالح .
وعادة الأجداد الأوائل بدأ البحث عن شريان الحياة في قصة كفاح وصبر لا تنتهي فصولها فقد سارع الجد ناصر لحفر البئر في أرض صلبة كثيرة الحجارة ومع قلة الأعوان والأدوات المستخدمة فقد كان الصبر أداته لتحقيق مآربه ولم يمض وقت حتى اكتحلت عيناه بالماء يتفجر من البئر ليبعث الأمل على حياة جديدة ومستقبل وليد.
وغير بعيد عن منبع الحياة شمر الجد ناصر عن ساعد الجد وبدأ العمل بإصرار ليقيم بنيان أول بيت له ولأسرته كان يبني البيت وفي خافقة يبني الأمل لتكوين أسرة لها قيم أصيلة وهو يضع اللبنات الأخيرة تأمله كثيراً ووقف أمام جدرانه العالية وسقوفه المزينة بسعف النخيل وأصوله بشجر الأثل عندها تنفس الصعداء وأزاح أمواج الجهد من جبينه وكانت المقصورة لتصبح البيت الأول لأسرة الراجحي وعنوانها على مر التاريخ .
تتكون المقصورة من طابقين خصصت بعض حجراتها للنوم وأخرى للمعيشة ولقاء الأسرة كما توجد غرفة لتخزين التمور والحبوب (غرفة المصك التي يكون فيها المواد الغذائية) . يقع في جوار المقصورة مجلس القهواء موطن هذه العادة الأصيلة يستقبل ضيوفه بموده وبحفاوة وترحيب مجلس القهوة يجسد تاريخ الراجحي في إكرام الضيف الذي أصبح مضرب الأمثال عقيدة ثابتة يحتذي بها أبناؤهم من بعده في مجلس القهوة بقية من عبق التاريخ أمام هذه الدلال العربية اجتمعت الأسرة تناقش همومها وتتطلع لآمالها وتتخذ قرارها بشكل جماعي مشهد مهيب يضفي بظلال المحبة والألفة ويوحد الشعور تجاه العديد من الأمور على اختلاف وقائعها لقد أحالت الإرادة الصلبة بعد مشيئة الله أرضها الصخرية إلى مكان مميز به جنان النخيل ودار ضيافة وعبادة عرف باسم منزلة الرواجح.
ولتأكيد الصلة الوثيقة بين العبد والمعبود استجمع الجد ناصر عزمه وهمته لإقامة بيت الله على أرضه لينهل منها وينهل ابناؤه معين الإسلام والاستقامة والالتزام ولم يمضي وقت كثير حتى شيد المسجد بمإذنته وعلا نداء الحق وبدأ المسجد بصورته الفريدة وتصميمه الجميل وخلوته الشتوية موطناً للطمأنينة والأمان .
وعندما يسري آذان الفجر من المسجد في سكون الليل يبدأ يوم جديد ويقصد أبناء وأحفاد الجد ناصر ويتقدمهم متوكأ على عصاه ملبياً نداء ربه لقد أثمر دور المسجد وبدت تربيته واضحة على أسرته والأقربين وتأصلت القيم النبيلة في نفوسهم وتوثقت عرى الإيمان والتعاون لما فيه مصلحة الأسرة والمجتمع .
هذه السواني تجذب الماء من البئر وقد امتلأت أفواه الغروب بالماء الغزير مع الجد ناصر قصة حب وشهادة على عشقه العمل وتفانيه في كسب رقه بعمل يده فالسواني بخير فيماهها تؤكد بأن المقصورة كانت بمثابة بيت الأسرة وكان المسجد منبع إيمانهم والبئر مورد مائهم ومجلس القهوة موطن ضيوفهم لقد شكلت جميعها رموزاً ظلت عامرة على الدوام ورغم ازدياد عدد الأبناء والأحفاد فقد جمعتهم منزلة الرواجح امتزجت أصوات السواني الشجية بصوت الجد يوصي أحفاده وأبناؤه على ضفافها بالصبر والأمانة والقيم والعمل بالدين وتقوى الله ومكارم الأخلاق التي لا تحلو الحياة إلا بوجودها كما ظلت صورة المقصورة في العهد الماضي تلقي بظلالها يستحضرها الجميع بذكرياتها وطيف أيامها
جاءت أوقاف أسرة الراجحي المتنوعة في المجال الاجتماعي والخيري والثقافي لتوثق الأواصر لتمد جسور التواصل قوية بين الماضي والحاضر نحو مستقبل واعد يضمن الرخاء والوفاء لرعيل الأبناء والآباء واليوم امتدت الأواصر والوشائج لتربط أفراد أسرة الراجحي بالرغم من انتقال الكثير منهم إلى مناطق عديدة في المملكة بعد النهضة الحضارية التي عاشتها بلادنا فنهلوا من العلم والمعرفة حتى برزت منهم شخصيات شهيرة في مختلف المجالات والميادين العلمية والشرعية والاقتصادية والتربوية على حد سواء .
ظلت الأسرة على العهد تحفظ الود بينها وتقيم مناسبات اللقاء والقربى بين أبنائها وأحفادها ليتواصل الجميع على القيم النبيلة كالأمانة والصبر ويتحلوا بالأخلاق الحسنة والاستقامة على الدين تلك القيم التي خلدها تاريخ جدهم ناصر الراجحي وليستيعدوا وهج الوصايا الإسلامية التي نهلها آباؤهم بمنزلة الرواجح هكذا جاءت الصورة مشرقة نسجتها جهود مضنية بذلها الأجداد والآباء في صبر وصمت عطاء بلا حدود شكل مشاهد رائعة من التلاحم والوفاء فحق الأجداد علينا أن تعرف هذه الأجيال حقيقة هذا المشوار التي لم يكن يوماً مفروشاً بالورود ومعرفة حجم هذه التضحيات من أجل تحقيق مستقبل واعد وغداً مشرق جديد لكافة أبناء الأسرة بإذن الله.